لماذا سيطرت دولة الاحتلال الإسرائيلي على أعلى جبل في سوريا؟

15 ديسمبر 2024
قوات الاحتلال في الجولان

في تحليلٍ لأحدث التحركات العسكرية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، يبرز سؤالٌ محوري حول استراتيجيتها في السيطرة على قمة جبل الشيخ، أعلى نقطة في سوريا، والذي يتمتع بأهمية استراتيجية بالغة، هذه الخطوة تأتي في ظل تحولات إقليمية كبرى، من أبرزها انهيار النظام السوري وسيطرة الجماعات المسلحة على مساحات واسعة من البلاد.

الجغرافيا تتحكم بالاستراتيجية

جبل الشيخ، بارتفاعه الذي يتيح مراقبة مناطق واسعة من سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، شكّل دائمًا هدفًا استراتيجيًا في النزاعات العسكرية، وكما يؤكد إفرايم إنبار، مدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن، فإن القمة “تعد أعلى نقطة في المنطقة، وتوفر سيطرة بصرية وإلكترونية على محيطها الواسع”، هذا الموقع يمكّن دولة الاحتلال من استخدام تقنيات المراقبة المتقدمة لتعزيز قدراتها في الإنذار المبكر، خاصةً تجاه سوريا التي تبعد عاصمتها دمشق مسافة لا تتجاوز خمسة وثلاثين كيلومترًا عن القمة.

منذ سقوط أجزاء واسعة من سوريا في أيدي الجماعات المسلحة، سارعت دولة الاحتلال إلى استغلال الانهيار الأمني والفراغ العسكري، حيث دفعت بقواتها إلى المنطقة العازلة التي أُنشئت وفق اتفاقية فصل القوات عام 1974، وبررت هذه الخطوة بالخشية من استغلال الجماعات الجهادية لهذا الفراغ لتهديد المستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل.

أهداف غير معلنة تحت غطاء “الأمن المؤقت”

رغم الادعاءات بأن السيطرة على الجبل “مؤقتة”، فإن المؤشرات الميدانية تفيد بأن دولة الاحتلال تنوي البقاء في المنطقة لفترة طويلة، خاصةً أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أصدر تعليمات واضحة لقواته للاستعداد لتمركز طويل خلال فصل الشتاء، مثل هذا القرار يعكس نية لتثبيت الواقع الميداني على الجبل، وتحويله إلى قاعدة دائمة تحت ذريعة حماية حدودها.

ويضاف إلى ذلك أن الاحتلال يرى في الجبل نقطة محورية في تعزيز قدراته الهجومية، السيطرة على سفوح الجبل السورية تعني وضع دمشق في مرمى المدفعية الإسرائيلية، مما يوفر لإسرائيل قدرة ردع إضافية، في حال أي تصعيد.

تحييد الجيش السوري وتدمير قدراته

ضمن استراتيجيتها طويلة الأمد، استهدفت دولة الاحتلال الجيش السوري بضربات مكثفة منذ بداية الأزمة السورية، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من بنيته العسكرية، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي والقدرات الهجومية، هذا التحييد ساعد الاحتلال في تنفيذ عملياته داخل الأراضي السورية دون مواجهة مقاومة حقيقية.

ويبدو أن هذه الضربات لم تكن عشوائية، بل استهدفت تحقيق توازن قوى جديد في المنطقة، يمنع أي تهديد مباشر على الحدود الإسرائيلية ويُبقي الجيش السوري في حالة ضعف مستمر، هذا، وفق تحليل شبكة “سي إن إن”، يفسر لماذا اختارت إسرائيل قمة جبل الشيخ كجزءٍ من استراتيجيتها في السيطرة على مفاصل القوة السورية.

المستقبل: تثبيت الاحتلال أم مناورة مؤقتة؟

تصريحات مكتب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول “مؤقتية” التوغل العسكري في المنطقة العازلة، تثير الشكوك أكثر مما تبددها، فدولة الاحتلال لها سجل طويل في استغلال الأوضاع الإقليمية لترسيخ احتلالها، كما حدث في الجولان المحتل الذي أعلنت ضمه في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

من الواضح أن الاحتلال يسعى لاستغلال الفوضى في سوريا لتعزيز مكاسبه العسكرية والاستراتيجية، السيطرة على جبل الشيخ لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تتيح لإسرائيل تعزيز هيمنتها الإقليمية على حساب سوريا ودول المنطقة، ويبقى السؤال: هل ستسمح الأطراف الإقليمية والدولية بهذا التغيير الاستراتيجي في معادلات القوة، أم أن مقاومة هذا الاحتلال ستعيد رسم المشهد في قادم الأيام؟

ما حدث في جبل الشيخ ليس مجرد خطوة عسكرية تكتيكية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لدولة الاحتلال، تهدف إلى استغلال ضعف الدول المحيطة لتعزيز مكاسبها الجيوسياسية، هذه الخطوة تؤكد مرة أخرى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يتوانى عن استثمار أي فراغ سياسي أو أمني لصالح أهدافه التوسعية، معتمداً على توازن قوى إقليمي مختل لصالحه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


عاجل